الخميس، 22 مارس 2018

نفطة ضوء/بقلم الشاعر/ ماجد كاظم على

نقطة ضوء
 ماجد كاظم علي
 يوتوبيا المكان او جغرافية التاريخ في لغز جواي
جواي رجل لانعرف من اين جاء—كان يسير في اسواق وازقة مدينة الناصرية ويجلس في مقاهي متعددة لانعرف اين يسكن او كيف يقضي ليله نهاية الخمسينات وحتى السبعينات من القرن العشرين—ولكن ظهر اخيرا انه احد رجال المخابرات وكما تحدث البعض والله اعلم ان كان هذا الخبر صحيحا ام لا فهنالك الكثير من الاراء والاقاويل قيلت عنه بعد اختفائه وربما يصدق ماقيل عنه فقد عرفت رجلي مخابرات احدهما يبيع الغاز والثاني فتح له محلا للاستنساخ 0
عرفت الشاعر حسين جهيد الحافظ منذ الطفولة واكاد اكون الاول الذي يستمع الى قصائده حتى لو كانت في بدايتها وكانت معرفتي به من خلال والده الخياط في السوق الذي تقع فيه مقهى والدي/سوق الندافين الذي ورد اسمه في هذه القصيدة  فنحن ابناء مدينة واحدة وابناء سوق واحد وجيران لمدة اربعين سنة—فهو شاعرمبدع كبير في السبعين من عمره لمن يطلع على قصائده رغم عدم انتشاره الكبير0
القصيدة تتوزع بين جغرافية التاريخ وتاريخ الجغرافية –فقد وردت فيها الكثير من العناوين والرموز ومعظمها تحمل في صفاتها طيبة واخلاق اهل المدينة /الناصرية وصدقها وصفائها ونبلها في تلك السنوات الغابرة التي عشناها بحب كبير الذي كان الجار فيها اخا لجاره ويمثل اهل بيته في غيابه وقبل ان تمتد يد الغدر والكراهية التي اشاعها جرذان البعثيين في العراق ودمروا فيها الاخضر واليابس وسرقوا قيم الناس واهانوا كرامتهم ودمروا حياتهم وارجعوا العراق عقودا طويلة الى الوراء بعد ان اقتلعوا الطيبة من اعماق الناس واحلوا الكره والقتل والدمار والحقد بينهم—بحيث اصبح الانسان يخاف من اخيه وزوجته وصديقه وابنه من ان يهمس في اذنهم كلاما يمس الطاغية وخفافيش العهر والدمار والظلام –فقد اصبح للحائط اذانا ليستمع عما يدور في غرفة النوم بين الزوج وزوجته وفي ارجاء البيت بين الاخوة والاخوات/
 مابين هيله وبين ليله
 وما بين حنون وام سمير
 واطشوت اللبن
 اسنينه يمشن هذر
 بيهن نعد بس محن
 الوحشه صارت هله
 والغربة صارت وطن
ان الشاعر حسين جهيد الحافظ يبدأ قصيدته لغز جواي بهذه الضربة القوية التي تكشف عن رمز القصيدة وبعدها الاسطوري سواء كان في جغرافية المكان وتاريخ الاحداث المؤسفة التي شوهت وجه المدينة يوم اعتلاها الاغراب ودمروا كل القيم والمبادئ والاخلاق  التي كانت تتميز بها كمدينة جنوبية يحمل اهلها الطيبة المعروفة عنهم لدرجة ان اهل المدينة ولاجل المحافظة على كرامتهم كونوا جمعية تسمى جمعية اهل المدينة وهذه بادرة خطيرة جدا فهل يعقل ان يكون اهل مدينة جمعية اهل المدينة ؟
ان الشاعر يتساءل كما يتساءل اهل المدينة من هؤلاء الوافدين الذين يفترشون الشوارع بين فترة واخرى—من اين جاءوا؟ واي الدروب والمدن التي دفعتهم الى المدينة ليعكروا صفوها وهدوء اوقاتها؟
من اين جاء جواي وشكر احمر والاخرس وعمي جوعان وغيرهم الكثير والذين يتساوون في قذارتهم وتصرفاتهم في العلن لكنهم والله اعلم ربما كانوا يتساوون في افعالهم والهدف من وجودهم في هذه المدينة في السر0
اهم تركة المدن التي لفظتهم وطردتهم الى هذه المدينة التي جاءوها بدون مقدمات كما اختفوا منها بدون سابق انذار—ربما هذا وذاك وربما انهم تركة الدول المجاورة والبعيدة  التي لاتريد خيرا للعراق والتي ملأت جيوشها ورقبائها ارض العراق منذ الاف السنين-
ظل جواي لغزا يشك فيه الكثيرون وخاصة المثقفين من اهل المدينة الذين كانوا اكثر قربا من غيرهم لمثل هذه النماذج ولكنهم ايضا كانوا لايتفقون فيما بينهم عن مصدر مجئ هؤلاء
 جواي ياجواي
 يالشايل ابخلكك زمن
 حط الرحال استجن
 كافي كثر اسئلة
 امنين انت منين
 ياهو انت؟ ومن
 واشكثر بعيونك شجن
 جواي ياجواي
 يامدري يانكتة وكت
 ابوكتك جبير الوكت
 فرحة عمر
 مرجوحة وضحكة زغر
 زركه اعيونك لغز ماتنحزر
لقد كان اهل الناصرية يعيشون الحب والطيبة والنقاء والوفاء والاخاء بصورة لايمكن التعبير عنها وقبل ا ن ياتي زمن الوحوش العفالقة الذين قتلوا كل طيبة هذه المدينة واحرقوا الاخضر واليابس—حتى ان المدينة ماعادت مدينة الناصرية الحبيبة التي نعرفها بعد ان غزاها الاغراب ولا يعرف اهلها من اين تاتي الطعنات لهم—فجأة يعتقل العديد من شرفائها بعدد يربوا على السبعين او اكثر ويتجدد ذلك كل ثلاثة اشهر او اربعة—ان جواي ليس اشارة الى رجل واحد ولكنه رمز لكل الذين شوهوا وجه المدينة وارقوا لحظات هناءلياليها0
 زركة اعيونك ماتنحزر
 شايل معاني اشكثر
 حب وتصافي ووفه
 شرطة وجواسيس وغدر
 واسنين عمرك تمر
 حيه ودرج
 ورغم العسر والعسر
 رغم الالم والجفه
 وحزن البيوت الطين
 بيها الاخو جان اخو
 وجانت العشرة دين
ان جواي ظل لغزا محيرا للكثير كما هو لغز الاخرس وعمي جوعان وشكر احمر وغيرهم ورغم انهم نالوا الكثير من الاذى من اطفال المدينة وهم يسحبونهم او يرمون ورائهم الحجارة او يدفعونهم ويضربونهم او يرفعون ثيابهم ويهزجون ورائهم لكن الكبار كانوا اكثر عطفا عليهم فقد كانوا يقدمون لهم مايطلبون خاصة الطعام والشاي والملابس ويطردون الاطفال وينهرونهم ولكن بالمقابل ماذا قدم هؤلاء للمدينة غير الاعتقال المفاجئ والقتل والتعذيب والاختفاء من على وجه الارض واشاعة الاضطراب والالم والحزن الذي اصبح علامة مسجلة لاهل المدينة طوال خمسين سنة وخاصة حينما كان خفافيش الامن والبعثيين يهاجمون البيوت الامنة لارهاب الامهات والاطفال0
لقد كانت مدينة الناصرية مفخرة لاهلها ولكن اهلها اصبحوا اقلية بعد ان انزى الكثير منهم في زواياهم المنسية الا القليل الذين اصبحوا لاجئين واغرابا فيها وشكلوا جمعية لابناء المدينة فهل هنالك في اية منطقة في العالم يشكل اهلها الاصليون جمعية فيها لابنائها؟
مدينة الناصرية كانت من اجمل مدن العراق قاطبة فيها اجمل فجر واجمل غروب حيث الحدائق والبساتين والمياه التي تحيطها وشوارعها المستقيمة التي تعتز بها وشارع النهر الذي يتراقص الصفصاف فيه والذي تمتلأ مياهه بالمراكب التي تحمل الخير وتعمرموائد الفقراء وشارعه الذي يمتلأ بالكازينوهات والشوارع الاخرى النظيفة التي ترش بعد الظهربالماء مرتين في الصيف لكي تكون عصرا ملجئا لاهلها الذين يخرجون عن بكرة ابيها من بيوتهم—اي جمال كانت تشيعه المدينة في داخلنا؟
واين الهواء العذيبي الشمالي الذي كان ينعش الوجوه والاجساد كما تقول جداتنا؟ لابل اين اللبن والخريط وجبن الكصيبة والقيمر والسمك القطان والبني والشبوط الذي يباع كل مائة سمكة منه بدرهم؟ اين ذهب كل ذلك التدفق من الحنو الذي كان تغدقه المدينة على اهلها  وهل هنالك مدينة في العالم اشبعت اهلها مثل مدينة الناصرية؟
لااتصور ذلك ابدا فقد كانت المدينة تصدر يوميا من منتجاتها الى مدن العراق المختلفة عشرات السيارات من السمك والدهن والحنطة والشعير وباقي الحبوب والالبان—ولم نكن جائعين ايها الدكتاتور الارعن وارجلنا حفاة تسكنها الير ابيع ورائحتنا قذرة ياامام البعثيين القذر هدام حسين00 فقد كان جماعتك هم القذرون—لقد كان الكرم عندنا يفوق كرم حاتم الطائي واكثر ---والغريب عندنا ابن الدار وهو الذي ياتيها حافيا ويخرج منها منعما باكيا
ان الشاعر حسين جهيد الحافظ وهو يعانق في لغز جواي قائد الحركة الوطنية الحزب الشيوعي العراقي بدون منازع انما يستلهم كل القيم الخالدة التي قدمها الحزب وما زال للعراق—وهي قيم الشهادة والنضال والكبرياء والشرف والاخلاص للوطن ومحاربة المستعمر البغيض والظالم المتجبر
فمن خلال المناضل الشهم المرحوم الملا طالب الخياط ينهض الشاعر صارخا/
 والملا طالب وطن
 ابدمه الوطن شريان
 ماعرف يوم الدغش
 بس يعرف الاحسان
 دينه الوفه ومبدأه
 بس خدمة الانسان
 خياط بس بالاسم
 علم ورع فنان
 جواي ياجواي
 يالوكتك وكت
 حتى الحزن بيه فرح
 وعاشور بيه العيد
 ورغم الالم والالم
 جان الغنه ترديد
ان شواهد الناصرية من اشخاص ومحلات وشوارع مملوءة بالطيبة والصدق والوفاء وهي تهب جميعا لمساعدة المحتاجين واحتضان المهجرين والمبعدين وحتى حجارة الطريق  وما اكثرهم في مدينة الناصرية فقد كانت مكانا للابعاد فلا خطبة تظل مطروحة كما يقول المثل ولا جنازة  تظل ساعات بدون ان يحملها اهلها الى النجف ولا مشكلة مستعصية بدون ان يتباروا ليجدوا لها الحل—فقد كانت المشاكل  الحاجات التي تتناولها العقول والجيوب باسرع مايمكن0
لقد كان الحب وما زال في اعماق اهل الناصرية الذين مازالوا احياءا كما هو ولم يتغير فما ان تجد واحدا منهم في الشارع رغم قلتهم حتى ياخذك بالاحضان والقبلات 
 الجار عدهم جار
 والوطن عدهم وطن
 وحب البشر بالاصل
 ديدان والهم طبع
 جواي ياجواي 
 اولاية اهلنا صدك
 اولاية محبة ووفه
 وانت تعرفنه صدك
 لاتحجي بالعاطفة
 اولايتنه وعليك الله
 اولايتنه واو ووفاء
 اويه الهاء يعني الوفه
 الناصرية منهه ونعم
 للناصرية طشت وفه
 الناصرية ام الوفة
لقد كان شخوص الناصرية اهل المهن يمتازون بالسمعة الطيبة والاصالة والكرم وهم السابقون الى القيام باعمال الخير قبل غيرهم
 من يحجي حجي حسين
 الوادم خلية صدك
 ماتعرف الحيلة
 من علي جوده وعبد الرضا الطحان
 ومن حجي ناصر وعودة حسن
 السيد طاهر السراج
 زنبور غرة كمر
 حجي ضاحي وعودة ناهي
 مطعم شناوه صحين
 وياجاي كاظم علي
 هيل ويعطر العجد
      ******

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق